المادة    
لقد أوجزت إيجازاً شديداً جداً في المخالفات التي بلغت إلى عشر مخالفات بالتفصيل، أما في الجملة فقد ذكرنا لكم الحكم العام في أحكام الشركات أو في نظام الشركات، بقي أن نتحدث عما هو أهم من ذلك كله، وهو: ما هو الحل في هذا الواقع؟
نقول: إن ما يمارسه بعض الدارسين من كونه يعرف نظام الشركات، ويدرسه من خلال الآراء الفقهية، ويقول: (هذه المادة توافق قولاً للمالكية، وهذه المادة قد تخرّج على قول عند الحنابلة، أما هذه المادة فهي حرام بالإجماع، وأما هذه فهي كذا فإن ذلك ترقيع لا يجوز، لأن ذلك إقرار بأصل الفكرة، وهي استمداد القوانين الغربية واستيرادها كما هي، وتطبيقها في بلاد المسلمين؛ ثم بعد ذلك: نعقد المقارنات والمشابهات!! ولو بقينا على هذا الشأن، فسنظل عقوداً أو قروناً، وأوضاعنا لا تصلح أبداً.
ويقال لهذا العمل: هذا هو التلفيق الذي قال عنه العلماء: ''من تتبع رخص العلماء تزندق'' الموضوع في الأسهم يوافق رأياً عند المالكية، وموضوع توزيع الأرباح -فرضاً- يوافق رأياً عند الشافعية وموضوع كذا..، وهذا تلفيق لا يقره من يعتني بتطبيق المذاهب الفقهية، كما كان حال الأمة، عندما كانت مقسمة إلى انتماءات مذهبية، ولا من يدعو إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ما يجب أن يدعو إليه كل مسلم؛ فلا يجوز أن نستورد قانوناً وضعياً، ثم نبدأ نقارن: فقرةً فقرةً أو مادةً مادة، ثم نخرِّجها على مذاهب الفقه؛ لأن الذي جاء بهذا القانون ما أراد هذه المواد، ويقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما الأعمال بالنيات} وهذا ما نوى أن يستمد من كتب الفقه، ولا قصد أن يكون هذا الشيء حلالاً أو موافقاً لمذهبٍ فقهي؛ وإنما أنت -أيها المسكين- الذي تخرج الأحكام بينت ذلك، فنقول: هذا العمل لا يصح؛ وإنما الحل الصحيح الذي يجب أن تجمع عليه الأمة إجماعاً، هو أن يلغى نظام الشركات القائم حالياً، كما يلغى غيره، وتلغى أنظمة البنوك الربوية، ويلغى أي نظام مخالف لشرع الله إلغاءً تاماً.
ثم تشكل هيئة أو لجنة علمية من علمائنا الأفاضل، أو ممن هم دون العلماء، والعلماء يراجعون في النهاية لزحمة أوقاتهم، فتشكل هيئة علمية شرعية مرموقة تضع الحلول في النوازل الواقعة التي قد تستجد، وترتب أمور الشركات عندنا على ضوء الشركات المعروفة في الفقه الإسلامي، وما زاد عن ذلك فهو محل اجتهاد.
وإذا كان الغربيون قد وضعوا هذه الأحكام من عند أنفسهم من غير شرعٍ ولا هدى من الله، وإنما بتجارب طويلة في الواقع؛ فكيف بنا ونحن عندنا -والحمد لله- أكبر وأعظم مصدر للتشريع بإجماع كل القانونيين في الدنيا وهو الشرع بما في ذلك الفقه الإسلامي الواسع الثري العظيم -والحمد لله- وعندنا العقول والطاقات المُبدِعَة.
فيجب أن يلغى نظام الشركات الحالي، وترتب أوضاع الشركات لفترة انتقالية، تقررها اللجنة، وتبين كيف يمكن أن نرجع جميع أنواع الشركات الموجودة إلى أصولها الشرعية، وتبعاً لذلك تلغى الهيئات القضائية التجارية، بما في ذلك هيئة فض منازعات الشركات ويكون الرجوع في كل القضايا المختلف فيها كالأسهم والأرباح وأي شيء من قضايا الشركات إلى المحاكم الشرعية كما ذكرنا في الآيات، وكما ذكر الشيخ محمد رحمه الله، وكما هو الواجب على كل مسلم فإنه بمجرد أن يعرف الشركاء وتعرف الشركات السعودية منها والأجنبية أن مرجعها إلى الشرع فسوف تتخلى تلقائياً عن كثير من المحرمات؛ لأن الذي يشجعهم الآن على الربا مثلاً أو التعامل به، أن الميزانية والأعمال والتحاكم لا ترجع إلى الشرع، فيصادق على الميزانية، وتعلن في الجرائد، مع أنها تشتمل على الربا، وفي كثير من الأحيان يكون صريحاً، ومع ذلك لا يحاسبهم أحد ولا يعاقبهم أحد.
فلو منعت وأحيلت إلى المحاكم الشرعية؛ لتخلصنا من هذا الداء -بإذن الله- ولأصبح الإنسان ملتزماً بأحكام سهلة مبسطة واضحة لديه، تنظم له أمور الشركات تنظيماً شرعياً صحيحاً، وفي نفس الوقت إن حصل خلاف فالحكم فيه للمحكمة الشرعية، فلا يتسرب الحرام؛ إنما يظل ما في النفوس من طبيعة الغش والاحتيال والطمع والشره إلا من رحمه الله، وهذا أمر طبعي في النفوس يعالج بنشر الدعوة إلى الله، ويعالج بنشر حب الخير، وحب الفضيلة، وما توعد الله به من غَشَّ، أو رابى أو تعامل بمحرم، أو ظلم، أو سرق، أو نهب، أو اختلس إلى غير ذلك، وبذلك يكون مجتمعنا مجتمعاً نقياً صحيحاً سليماً، فنرضي ربنا عز وجل ونتخلص من هذا الداء، الذي هو -كما قال الشيخ رحمه الله- أمر خطير كبير، يتعلق بالعقيدة، وبشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس من الأمور الاجتهادية.
  1. الفترة الانتقالية

    وقد يقول الإخوان: وما الحل في المدة المؤقتة؟
    قبل ذلك أنا أعرف كثيراً من الإخوان، يقولون: كيف؟!
    فأقول: لا يوجد شيء صعب -بإذن الله تعالى- ألسنا مسلمين؟!
    ألسنا نشهد صحوةً إسلامية كبرى؟!
    أليست الشركات المساهمة منا وفي مجتمعنا؟!
    أليس المساهمون من بلدنا؟!
    أليس من يطالبهم بإلغائها عن رضا منا ومن أهل بلدنا؟!
    فليس عندنا شيء مفروض علينا بقدر قاهر أو بقوة قاهرة أبداً!!
    إذاً: لماذا لا نطالب نحن كأفراد في المجتمع -كلنا- بفمٍ واحد أن يكون نظام الشركات وغيره من الأنظمة موافقاً لشريعة الله، ويشكل له هيئة من العلماء؟!!
    لا مانع من أن نتوقف الآن عن تأسيس أية شركة مساهمة؛ لأن نظام الشركات غير شرعي فلا تؤسس أية شركة مساهمة. ونقول: لا بد أن المؤسَّس لا يؤسَّسْ إلا على الشرع، والقديم يحل بطريق اللجنة، فنطالب جميعاً كتابياً وخطابياً، في الدروس وفي الخطب وفي الكتابات، وبكل شكل من أشكال التأثير، بهذا التغيير، فيحصل -بإذن الله تبارك وتعالى- ولماذا لا يحصل؟
    ومن الذي يمنعنا؟!
    فوالله لو طالبنا وصدقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخلصت النيات من الجميع، لا نعادي بذلك طرفاً أو نتهم طرفاً؟!
    لا التجار ولا غيرهم، ولا أصحاب الشركات ولا غيرهم.. المقصود أن نخلص أنفسنا جميعاً: الحاكم والمحكوم والشركة والمساهم من الإثم، ومن هذه المصيبة الكبرى التي عبر عنها الشيخ محمد بن إبراهيم، وأنا أرجو أن ترجعوا إلى الفتاوى وتقرءوا قريباً من هذه الصفحات، فأنا ما أحضرت إلا نموذجاً واحداً، والنماذج التي ذكرها -رحمه الله- كثيرة جداً والأمر خطير جلل، علينا أن نتخلص منه جميعاً، ونخلص الأمة منه؛ لننال رضا الله؛ وننال الفوز والنصر والتمكين في الدنيا، وننال منـزلة الذين قال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَصلُحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس}.
    فالعالم كله: الغربي -ومن حذا حذوه ممن يعبد المال- يعبد المال والثروة ويجمعها من حلال أو حرام، فلماذا لا نصلح نحن إذا فسد الناس، وفسدت الدول والأمم من حولنا، ونقيم دين الله تبارك وتعالى كما أمر الله، ونستعين بالله، ولا يهمنا أية خسارة قد تقال بعد ذلك؟!
    إن الخسارة الكبرى هي ألا نطيع الله عز وجل؛ أما ما عدا ذلك فهو ربح وفوز في الدنيا والآخرة.. فهذا البديل الأساس، وكل واحد مطالب أمام الله -بعد هذا البلاغ- أن يبذل جهده وأن يطالب أو يكتب أو يحاول بأي شكل من أشكال التأثير؛ بأن تصحح أوضاعنا المالية، والاجتماعية، وكل وضع من أوضاعنا: في أنفسنا، وفي أسرتنا، وفي مجتمعنا، وفي تعاملنا العالمي، وفي كل شيء أن تكون موافقة لشرع الله كما قال سبحانه: ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) [طه:123-124].
  2. من الأمور العملية

    بقي أن نذكر ببعض الأمور العملية ومنها: تكوين الجمعيات بين الزملاء وبين الأقارب؛ وهذه الجمعيات نطمئنكم أنها حلال والحمد لله، وهي مفيدة جداً، للزملاء في المدرسة والموظفون في الإدارة، وللأقارب أيضاً، فكل واحد يدفع مبلغاً معيناً، أو يدفع ما زاد عن راتبه يتفقون على كيفيةٍ للدفع وللأخذ، ثم بعد ذلك تسد خلة كل واحد منهم، وبهذا لا نحتاج إيداعاً في بنك تبقى أمواله مجمدة، فهذا ماله مجمد، والآخر يقترض.. وهذا أعان البنك لأنه يعمل بماله في الربا، وهذا ظلم نفسه وأخذ الربا؛ بل نجمع الأموال في أيدينا نحن وننفقها في مصالحنا التي نراها، وهذه من الأساليب التي بدأت تطبق ونرجو أن تنتشر حتى نتخلص من البنوك ومن الشركات المساهمة والبنوك شركات مساهمة، ألم يقولوا فيها أنها شركات مصرفية؟!
    وغيرها شركات خدمات مثل: شركة النقل الجماعي، أو الغاز، أو الأسماك إلى آخره؛ وهناك شركات إنتاجية مثل الشركات الزراعية والصناعية، فالبنك شركة مساهمة، وكل كلامنا هنا عن الشركات المساهمة ينطبق على البنك، والبنك أشد حرمة منها.
    أيضاً لا بد أن نحيي القرض الحسن في الأمة، ولماذا فقد القرض الحسن؟!
    فأنا مثلاً عندي مال فائض، فأقرض جاري أو أخي أو زميلي، وهو سيعمل ويدبر نفسه، ثم يعيد إليّ المال بدلاً من وضعه في البنك، أو من المساهمة به في شركة، بل ولي أجر عظيم في ذلك، لماذا أصبحت كل حساباتنا مادية؟!
    فبدلاً من أن أقرض فلاناً أساهم بذلك المال وأربح.. لماذا ننسى الربح عند الله؟!
    ولماذا ننسى ربح الآخرة وننظر فقط للمطمع الدنيوي؟!
    ((قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى))[النساء:77] وكم من آيات وأحاديث، يمكن يأتي بها كل واحد منكم لإثبات هذه القضية!!
    والأمر الآخر هو شركة المضاربة: كثير من الناس اليوم في المجتمع عندهم طاقة عقلية إدارية، أو مهن، أو حرف، ولكن لا يجد المال؛ وكثير عنده رأس مال فيضعه في البنك أو يساهم به في شركة، وآخر السنة يعطى (4%) أو (3%) أو (5%) .
    فمع هذه المحرمات التي ذكرنا، نقول: اعط مالك لشريك مضارب تعرفه وتعرف أموره، وتتحكم في عمله وتشرف عليه وتطمئن إلى أن مالك بيد أمينة؛ فإن ربح فالحمد لله ربحٌ حلال، وإن خسر فاعلموا أن الخسارة في البنوك خسارة ولو ربحت، فكيف إذا خسرت؟!
    نسأل الله العفو والعافية.
    البنك الوطني يشهد تدهوراً من قبل فترة وبنك القاهرة تدهور، وشركات مساهمة كثيرة تدهورت ولا تزال متدهورة إلى الآن، فالخسارة في المضاربة لا تجعلنا نترك المضاربة وهي حلال، وبإمكاننا أن نعملها جميعاً، ونتفق عليها مستفيدين من الطاقات الموجودة الآن في المجتمع.
    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.